أولاً - لماذا قام العُلماء بتصوير ثقب أسود في مجرة أخرى!
مع العلم أنه يبتعد عنا 55 مليون سنة ضوئية! ألم يكن من الأسهل تصوير الثقب الأسود في مجرتنا والذي يبعد عنا 27 ألف سنة ضوئية فقط؟السبب يكمن في أن مجرتنا منطقتها مُزدحمة للغاية، فهناك غبار نجمي كثيف يحجب الأشعة ويحرف بعضها، بل والعديد من العناقيد النجمية والعديد العديد من المُشتتات.
وهذا لا يجعل الرؤية أسهل على الإطلاق.
وأضف على هذا أن الثقب الأسود القابع فى مجرة M87 والذى تم تصويره هو ثقب أسود فائق الكُتلة من نوع Ultra Massive.. وكُتلته هي 6.5 "مليار" كتلة شمسية.. فى حين أن ثقب الرامي فى مجرتنا كُتلته 4.5 مليون كُتلة شمسية ولا يُقارن بالعملاق الفائق الذى تم تصويره!.
ثانيًا - كيف تم تصوير الثقب الأسود رغم الظلام الدامس؟
إذا كان الضوء نفسه لا يُمكنه الهرب من الثقوب السوداء.. فيما معناه أنها تبقى مظلمة على الدوام.. إذن كيف تم تصوير الثقب الأسود من الأساس؟!.
وهنا تُطلق أشعة من نوع جاما وإكس وأشعة سينية.. ولو نظرت وقتها على الثقب الأسود بتلسكوب راديوى، ستتمكن من رؤية أفق الحدث وتشاهد تدفق الأشعة، ولكن الثقب الأسود نفسه فى المركز، ستلاحظ أنه مُظلم تمامًا لأنه ما من شئ بالفعل يهرب من قلب الثقب الأسود.
ثالثًا - ما هو الثقب الأسود نفسه؟
الثقوب السوداء كانت نجوم أو شموس مثل شمسنا، ولكنها نجوم عالية الكًتلة. أكبر من شمسنا بمئات إلى آلاف وملايين المرات.. والنجوم بشكل عام تستمد طاقتها وقوتها من عملية الإندماج النووي فى باطن النجوم والذى يقوم بتحويل الهيدروجين إلى هيليوم.. وتظل النجوم مُستقرة على هذا الوضع لملايين ومليارات السنوات.وهنا علاقة طردية وجب مُلاحظتها، وهى أنه كلما كانت النجوم كبيرة فى الكُتلة.. كلما أنتهت حياتها بشكل أسرع.
لسبب وجيه؛ وهو أن النجوم عالية الكُتلة تستنفذ وقودها بمعدلات جبارة. وبعد العمر المديد ينهار النجم ويتفكك فى إنفجار عنيف يُعرف بـ السوبر نوفا (المستعر الأعظم).. وهنا تبدأ قصة الثقب الأسود.
النجم الذى تفكك لآشلاء تبقى منه نواة النجم. وهى نواة نجمية هائلة الكُتلة ولكن صغيرة فى الحجم وكثيفه للغاية.
وبسبب حجمها الصغير والكثيف تكون جُسيمات المادة قريبة للغاية؛ وهنا نتذكر مبدأ فى الكم يُعرف باستبعاد باولى.. ويعمل هذا المبدأ على الحفاظ على النواة فى نصف قطر ثابت متوازن.
ولكن مبدأ استبعاد باولى له حد معين من الضغط، واذا كانت المادة كثيفة للغاية فلن يتمكن استبعاد باولى من الحفاظ عليها ثابته، بل ستنهار على نفسها بحكم جاذبيتها الداخلية المهولة وتصغر فى الحجم أكثر وأكثر وهى مُحتفظة بنفس الكُتلة، لدرجة أن الكُتلة المتبقية ستنهار لحجم رأس الدبوس ولها نفس الكُتلة وتُسمى بالمُفردة.. وهذا هو الثقب الأسود، وبالداخل هناك تنهار قوانين العلم وقدرتنا على التنبؤ بالمستقبل.
رابعًا - لماذا تجذب الثقوب السوداء الضوء؟
الثقوب السوداء تمتلك القدرة على التسبب فى إنحناء فى بنية الزمان والمكان.. ولفهم هذا لنفترض أن الفضاء من الخارج ليس خاوى بل هو يُشبه النسيج المطاطي لو وضعت كتلة على هذا النسيج ستلاحظ أن المطاط سينحنى. يشبه الأمر وضعك لكرة بولنج فوق قطعة من الإسفنج، هنا ستنحنى قطعة الإسفنج نتيجة وضع الكرة.فيما معناه أن الأرض لا تجذب القمر بسبب قوة غامضة غير مفهومة، بل بسبب أن الأرض تصنع مجال حولها في البنية الكونية والقمر يتحرك في هذا المجال.
أو تشبيه آخر يبسط الفكرة أكثر؛ تخيل أنك تمتلك قطعة من المغناطيس ووضعت فوق منها ورقه ثم نثرت برادة الحديد فوق الورقه، ستلاحظ أن البرادة تشكلت على هيئة خطوط تُسمى بخطوط المجال. لأن قطعة المغناطيس صنعت ما يُشبه الطريق وبرادة الحديد استجابت وتوزعت فى خطوط المجال لأنه الطريق الوحيد المتاح.
أو تخيل سمكة تتحرك في الماء، بسبب حركة السمكة في الماء، صنعت إضطراب في الماء، ستلاحظ أن ذرات الغبار العالقة ستمشي في الإضطراب، هل تخيلت الفكرة؟
إن ذرات الغبار ليست مُنجذبة للسمكة، وإنما تمشى وفقًا للمجال الإضطرابي الجديد الذى تسببت فيه حركة السمكة.
وهذا هو ما يحدث للضوء.. الثقوب السوداء تسبب إنحناء فى بنية الزمان والمكان وتصنع مجال لا نهائي حولها وبالتالي تُصبح الجاذبية لا نهائية.. وإذا أقترب شعاع ضوء من الثقب الأسود من المستحيل أن يفلت من جاذبية لا نهائية. والسقوط، سيصبح شئ حتمى.. وبالطبع بإمكانك التوقع أنه إذا كان حتى الضوء لا يستطيع الهرب من الثقب الأسود وهو أسرع شئ فى الكون، فلن يستطيع شئ آخر فعلها!.