وحيد القرن السومطري
هو وحيد قرن وأحد الأنواع الخمس الباقية من فصيلة الكركدنيات، والنوع الوحيد الباقي من جنس دايسروهينوس. يُعَدّ وحيد القرن السومطري أحد الثدييات الضَّخمة، غير أنه أصغر أنواع الكركدنيات،
إذ يبلغ ارتفاعه عند الكتف ما يتراوح من 112 إلى 145 سنتيمتراً، وأما طول جسده الإجمالي فمن 2.71 إلى 3.88 م. تتراوح أوزانه المُسجَّلة من 500 إلى 1,000 كيلوغرام، بمتوسّط 700 إلى 800 كيلوغرام، بل وقد وصل في إحدى الحالات المسجلة إلى نحو 2,000 كيلوغرام. لدى وحيد القرن السومطري - مثله مثل وحيد القرن الأبيض - قرنان لا واحد بالواقع، قرن أماميٌّ كبير فوق الأنف بطول 15 إلى 25 سنتيمتراً، والآخر نتوءٌ صغيرٌ فوق العينين. ويغطِّي أغلب جسد الحيوان غطاءٌ من الشعر البني المُحمَرّ.
قطن وحيد القرن السومطري بالماضي الغابات المطيرة والمستنقعات والغابات الضبابية في جنوب وجنوب شرق آسيا، بدول الصين والهند وبوتان وبنغلادش وبورما وتايلند ولاوس وماليزيا وإندونيسيا، كما قطن في القدم أيضاً منطقة سيشوان جنوب غرب الصين. غير أنه باتَ الآن نوعاً معرَّضاً لخطر الانقراض للغاية، إذ لم يبقَ له وجود في البرية إلا بستّ مناطق أساسية، منها أربعة في سومطرة، وواحدة في بورنيو، وواحدة في شبه الجزيرة الماليزية. ومن الصَّعب تحديد الأعداد المتبقية منه بدقّة نظراً إلى طبيعته الانعزالية، لكن التقديرات المتوفّرة تشير إلى أقل من 275 رأس. علاوةً على ذلك، هناك شكوكٌ بانقراض المجموعة المتبقية بشبه الجزيرة الماليزية، فضلاً عن أنّ إحدى مجموعات جزيرة سومطرة الأربعة قد تكون انقرضت بالفعل هي الأخرى. وعلى هذه الحال قد يكون الرَّقم الإجمالي بالواقع نحو 200 رأس فحسب. يعود هذا التقلُّص المستمرّ بأعداد وحيد القرن السومطري إلى صيده سعياً وراءَ قرونه، التي تُقدَّر كثيراً في الطب الشعبيّ الصينيّ، وقد يُدفَع لقاء كل كيلوغرامٍ منها ما يصل إلى 30,000 $ في السوق السوداء.
وحيد القرن السومطري هو حيوان ذو طبيعة انعزاليّة، إلا في حال التزاوج أو تنشأة الصّغار. وهو أكثر أنواع وحيد القرن تواصلاً بالصّوت، كما أنه يتواصل مع الأفراد الآخرين من نوعه بترك علامات آثارٍ على التربة باستخدام أقدامه، أو بنحت الأشجار بأشكال معيّنة، أو بنشر البراز. وحيد القرن السومطري مدروسٌ علمياً بشكل أفضل بكثير من قريبه وحيد قرن جاوة، ويعود هذا جزئياً إلى برنامج جلب 40 رأساً منه للأسر بهدف الحفاظ على النّوع وإنقاذه من الانقراض. غير أنّ البرنامج يُعَدّ كارثة، حيث نفقت أغلب الحيوانات المجلوبة، ولم يلدوا أي صغار حتى مضيّ نحو 20 سنة، ليكون انحدار أعدادهم أسوأ حتى من انحدار النوع في البرية.
كانت أول حالة مُسجَّلة لمشاهدة وحيد القرن السومطري أثناء صيد حيوانٍ منه سنة 1793 على مسافة 16 كيلومتراً من حصن مارلبورو قرب ساحل جزيرة سومطرة الغربيّ. وقد أرسل وصف مكتوب ورسومات للحيوان إلى عالم الطّبيعة جوزيف بانكس، ثم رئيس الجمعية الملكية، الذي نشر ورقة بحثية حول العيّنة في السنة ذاتها. لكن النوع لم يُعطَى اسماً علمياً حتى سنة 1814، حيث سمَّاه العالم الألماني وقيّم متحف دارون الحكومي في موسكو يوهان فيشر فون فالدهايم.
اشتقّ اسم النّوع العلمي "Dicerorhinus sumatrensis" من الكلمات الإغريقيَّة داي (بالإغريقية: δι) أي "اثنان"، وسيروس (بالإغريقية: κέρας) أي "قرن"، وراينوس (بالإغريقية: ρινος) أي "أنف". وأما الكلمة الثانية من الاسم العلمي فهي تعني النّسبة إلى سومطرة: السومطريّ، وهي الجزيرة الإندونيسية التي عثر فيها على النّوع وصنّف للمرَّة الأولى. كان كارولوس لينيوس بالأصل قد صَنَّف جميع الكركدنيات في جنس وحيد القرن (باللاتينية: Rhinoceros)، ومن ثمَّ عُرِفَ النّوع علمياً بالأصل بـ"Rhinoceros sumatrensis". إلا أنّ الأحيائي البريطاني جوشوا بروكس اعتبر وحيد القرن السومطريّ - بالنّظر إلى أن لديه قرنين لا واحداً فقط - جنساً مستقلاً، وأطلق على هذا الجنس الجديد اسم "Didermocerus" في سنة 1828. ثم اقترح الأحيائي الألماني قسطنطين ويلهليم غلوجر استبداله بـ"Dicerorhinus" في سنة 1841، بينما اقترح البريطاني جورج إدوارد غري سنة 1868 اسم "Ceratorhinus"، وأصبح هذا شائع الاستخدام على نطاقٍ واسع، حتى أصدرت الهيئة الدولية لتسمية الحيوانات قراراً في سنة 1977 باعتماد اسم "Dicerorhinus" الأقدم.
تحت الأنواع
وحيد القرن السومطريّ الغربي (باللاتينية: D. s. sumatrensis): لم يبق منه سوى 170 إلى 230 رأساً، معظمهم في حديقتي بوكت باريسان سيلاتان وغونوغ لوسور الوطنيَّتين بجزيرة سومطرة، كما ربَّما لا زال يعيش نحو 75 منهم في شبه الجزيرة الماليزية. التهديدات الأساسية التي تواجه تحت النّوع هذا هي تدمير البيئة الطبيعية والصيد غير القانوني. يقطن وحيد القرن الغربي منطقتين هما جزيرة سومطرة وشبه الجزيرة الماليزية، وقد كان يُظَنّ في وقتٍ من الأوقات أن المجموعة القاطنة بشبه الجزيرة الماليزية تحت نوع منفصل سُمِّي "D. s. niger"، لكن تم لاحقاً تدارك كونهما متشابهين جداً.
وحيد القرن السومطريّ الشرقي أو البورنيّ (باللاتينية: D. s. harrissoni): كان تحت النوع هذا منتشراً في أنحاء جزيرة بورنيو بيومٍ من الأيَّام، لكن لم يبقَ منه الآن سوى ما يُقدَّر بنحو 50 رأساً. والمناطق المعروفة التي يقطنها على الجزيرة هي ولاية صباح الماليزية، كما توجد تقارير غير مؤكّدة عن مشاهدته في ولايتي سراوق وكليمنتان. سُمِّي هذا النوع تيمناً بالبريطاني توم هارّيسون، الذي أجرى بحوثًا واسعةً في الحياة على بورنيو خلال الستينيات. وحيد القرن البورني هو أصغر تحت الأنواع الثلاث لوحيد القرن السومطري حجماً.
وحيد القرن السومطريّ الشمالي (باللاتينية: D. s. lasiotis): كان يقطن فيما مضى الهند وبنغلادش، إلا أنّه أصبح يُصنَّف الآن نوعاً منقرضاً في كليهما. وتشير بعض التّقارير إلى أنّ تحت النوع ربَّما لا زال باقياً في بورما، لكن الأوضاع السياسية غير المستقرّة في البلاد حالت دون تأكيد ذلك. اشتقّ اسمه العلمي "lasiotis" من كلمتين إغريقيَّتين تعنيان "الأذنين المشعرَّتين" (المسكوَّتين بالشعر)، إلا أن الدراسات اللاحقة أظهرت أن شعر الأذنين عنده ليس أطول منه عند تحت النوعين الآخرين، ومع ذلك لا زال تحت نوعٍ مستقلٍّ بالنظر إلى كونه أكبر حجماً منهما بشكلٍ واضح.
التطور
تطوَّرت الكركدنيات للمرة الأولى من وتريات الأصابع الأخرى خلال عصر الإيوسين المبكر. وتوحي مقارنات الحمض النوويّ للمتقدرات بأنّ أسلافها انفصلت عن أسلاف الخيليات قبل حوالي 50 مليون سنة، إذ ظهرت للمرَّة الأولى في أوراسيا خلال الإيوسين المبكر، ثمَّ بدأت الأنواع الباقية اليوم منها بالانتشار في أنحاء آسيا مع بداية عصر الميوسين.
يُعدّ وحيد القرن السومطري أقل أنواع وحيد القرن الحية اختلافاً عن أسلافهم المنقرضة، فهو يتشارك الكثير من السّمات والصّفات مع أسلافه من عصر الميوسين. تشير الدلائل التاريخية في سجل الأحافير إلى أن جنس ثنائي القرون ظهر في عصر الميوسين المبكر، قبل نحو 23 إلى 16 مليون سنة، وقد صُنِّفت معه عدة أنواعٍ منقرضة من وحيد القرن، إلا أن النوع السومطري هو الوحيد الباقي من الجنس حتى اليوم. تظهر التحاليل أنّ جنس ثنائي القرن انفصل عن الأنواع الأربع الباقية الأخرى من وحيد القرن قبل 25.9 ± 1.9 مليون سنة، وقد وُضِعت ثلاث فرضيات لتوضيح العلاقة بين وحيد القرن السومطري والأنواع الحية الأخرى من الكركدنيات. تقول الفرضية الأولى أنّ وحيد القرن السومطري وثيق الصلة بقريبيه الأسود والأبيض في أفريقيا، بدلالة أن النوع لديه قرنان لا واحد فقط. فيما تذهب الفرضية الثانية إلى أن النوع السومطري هو صنف شقيق للنوعين الجاويّ والهنديّ، بالنظر إلى قرب مناطق تواجدهم الجغرافية وتداخلها الكبير. وأما الفرضية الثالثة والأحدث فتفيد بأن النوعين الأفريقيَّين والنوعين الآسيويَّين والنوع السومطري منفرداً تمثّل ثلاث تفرّعاتٍ أساسيّةً للكركدنيات انفصلت عن بعضها البعض قبل 25.9 مليون سنة، وقد يكون هذا سبب عدم وضوح أيٍّ من المجموعات ظهرت أولاً.
يعتقد العلماء أن وحيد القرن السومطري وثيق الصّلة بوحيد القرن المشعرّ المنقرض، بسبب التّشابهات الشكليَّة الكبيرة بينهما. حاز وحيد القرن المشعرّ اسمه بسبب غطاء الشعر الكثيف الذي كان يغطّي جسده، وهي سمة يتشاركها مع النوع السومطري الحديث، وكان قد ظهر للمرة الأولى في الصين في عصر البلستوسين العلويّ، ثم انتشر في أنحاء أوراسيا من كوريا إلى إسبانيا. نجى وحيد القرن المشعر من العصر الجليدي، إلا أنه - مثله مثل الماموث المشعر - باتَ منقرضاً بحلول نحو 8,000 سنة قبل الميلاد. ومع أن بعض الدراسات الشكليّة شكَّكت بالعلاقة بين وحيد القرن المشعر والنوع السومطري الحديث، إلا أن تحاليل المورّثات الحديثة اعتبرت النوعين صنفين شقيقين.
الوصف
يبلغ ارتفاع وحيد قرن سومطري بالغ عند الكتف 120 إلى 145 سنتيمتراً، وطوله نحو 250 سنتيمتراً، ووزنه 500 إلى 800 كيلوغرام، مع أن الحيوانات الكبيرة منه في حدائق الحيوان قد يصل وزنها حتى 1,000 كيلوغرام. لدى وحيد القرن السومطريّ - مثل النوعين الأفريقيَّين - قرنان لا واحد بالواقع، الأكبر منهما هو القرن الأمامي الذي يقع فوق الأنف، ويتراوح طوله عادةً من 15 إلى 25 سنتيمتراً، وفي أكبر حالة مسجلَّة بلغ طوله أكثر من 81 سنتيمتراً، وأما القرن الخلفي فهو الأصغر حجماً. لون القرنين رمادي غامق أو أسود، وهما أكبر عند الذكور منهما عند الإناث، لكن عدى عن ذلك فإنّ وحيد القرن السومطري متشابه الشكل بكلا جنسيه. يعيش هذا الحيوان لما يُقدَّر بـ35 إلى 40 سنة في البرية، وأما بالأسر فإنّ الرقم القياسي المسجل هو لأنثى وحيد قرن سومطري شمالي عاشت 32 سنة و8 شهور، وتوفيت أخيراً في حديقة حيوان لندن سنة 1900.عراقي يمسلت توجد ثنيتان كبيرتان لجلد وحيد القرن السومطري تدوران حول جسده، إحداهما خلف الساقين الأماميَّتين مباشرةً، والأخرى أمام الساقين الخلفيَّتين، كما توجد ثنية ثالثة أصغر حجماً حول الرقبة. جلد هذا الحيوان نفسه سميك جداً، إذ يتراوح من 10 إلى 16 ملليمتراً، ولا يبدو أن تحته أيّ طبقة من الدّهون. وأما الشعر فهو كثيفٌ خصوصاً عند العجول، ولونه عادةً بني مُحمَرّ، ويوجد عند هذا الحيوان شريطٌ من الشعر الطويل حول الأذنين وعند طرف الذيل. إلا أنّ ررؤية شعر وحيد القرن السومطري صعبةٌ بالبرية لأن جلده يكون مُغطَّى بالوحل غالباً، وأما في الأسر فإن الشعر ينمو كثيراً ويصبح شديد الخشونة، وعلى الأرجح أن ذلك يعود إلى قلّة كشطه أثناء المرور بين النباتات البرية. حاسة البصر عند وحيد القرن السومطري - مثل جميع أنواع وحيد القرن - ضعيفةٌ جداً، إلا أنّه سريعٌ وذكي، فهو يتسلّق الجبال ويجتاز المنحدرات المرتفعة وضفاف الأنهار بسهولة.
الانتشار والموطن
يقطن وحيد القرن السومطري الغابات المطيرة والمستنقعات والغابات الضبابية الثانوية المنخفضة والمرتفعة. بشكل عامٍّ يُفضِّل المناطق التليَّة (كثيرة التلال) القريبة من مصادر المياه، خصوصاً الأودية العالية المنحدرة كثيرة الأعشاب. كان يعيش هذا الحيوان فيما مضى بمنطقة واسعةٍ جداً تصل حتى شمال بورما وشرق الهند وبنغلادش، ووردت تقارير غير مؤكدة عن تواجده في لاوس وكمبوديا وفيتنام أيضاً، إلا أن ما تبقّى منه اليوم يعيش في شبه الجزيرة الماليزية وجزيرتي بورنيو وسومطرة. يأمل بعض البيئيين أنّ وحيد القرن السومطري لا زال يقطن أجزاءً من بورما، غير أن ذلك يُعتَبر غير مُرجَّح، وتحول دون التحقّق منه الاضطرابات السياسيّة في البلاد. وردت آخر تقارير مشاهدة وحيد القرن السومطري بحدود شبه القارة الهندية في تسعينيات القرن العشرين.
وحيد القرن السومطري أكثر تبعثراً في مناطق انتشاره الجغرافي من أنواع وحيد القرن الآسيويَّة الأخرى، ممَّا يجعل مهمة حمايته أصعب بالنسبة للبيئيّين. لا توجد سوى ستّ مناطق معروفة حالياً يتواجد فيها هذا الحيوان بأعدادٍ فوق الدّزينة، هي حدائق بوكيت باريسان وغونوغ لوسر ووي كامباس الوطنية في سومطرة، وحديقة تامان نيغارا الوطنية في شبه الجزيرة الماليزية، ومحمية تابين للحياة البرية في ولاية صباح الماليزية بجزيرة بورنيو.
وقد كانت حديقة كيرينسي سيبلات الوطنية الأكبر بجزيرة سومطرة تؤوي ما يُقدَّر بنحو 500 وحيد قرنٍ سومطريٍّ في الثمانينيات، إلا أن الحيوان باتَ منقرضاً فيها اليوم جرّاء الصيد. كما أنّ بقاء أي وحيد قرنٍ في شبه الجزيرة الماليزية لا زال موضع شكٍّ وجدل.
السلوك
وحيد القرن السومطريّ حيوانٌ انعزاليٌّ بطبيعته، ولا يستثنى من هذا إلا خلال موسم التزاوج أو عند رعاية الصّغار. يمكن أن يصل حجم المنطقة الخاصة بالذكور - الثيران - حتى 50 كيلومتراً مربَّعاً، وأما الإناث فتتراوح أحجام مناطقها من 10 إلى 15 كيلومتراً. وعادةً ما تفصل مسافات كبيرة خالية بين مناطق الإناث المختلفة، وأما مناطق الذكور فهي - على العكس - كثيراً ما تتطابق. ما من دلائل تشير إلى أن وحيد القرن السومطري يلجأ إلى القتال المباشر في نزاعاته المناطقيّة، وهو يقوم بتحديد منطقته بوسائل عدّة، بينها إزاحة التّربة بقدمه، ولوي الأشجار بأشكالٍ معيّنة، ونثر البراز. يكون وحيد القرن السومطريّ عادةً في ذروة نشاطه عند الأكل، أي عند الفجر أو عند الغسق. وأما في النّهار فهو يتمرّغ ببرك الوحل لتبريد جسمه ونيل قسطٍ من الرّاحة. وفي موسم الأمطار يصعد إلى مناطق أكثر ارتفاعاً، وأما في الموسم البارد فهو يعود إلى الأراضي المنخفضة. عندما لا تتوافر برك الوحل سيبحث وحيد القرن عن أيّ قبعةٍ موحلة ليغمر فيها أرجله وقرنه، ويساعده هذا السلوك على الحفاظ على حرارة جسمه وحماية جلده من المتطفّلات والحشرات. عندما يُحرَم وحيد القرن السومطري في الأسر من ممارسة التمرُّغ بالوحل بالقدر الكافي، فإنه سرعان ما سيتشقَّق جلده ويظهر عليه القيح ويواجه مشاكل في عينيه والتهاباتٍ في منخره فضلاً عن تساقط شعره، وفي نهاية المَطاف موته. توصَّلت إحدى الدراسات التي دامت 20 شهراً لسلوك التمُّرغ بالوحل عند الكركدنّ أنه لا يستعمل في الآن ذاته أبداً أكثر من ثلاث برك وحل، وبعد أن يقضي أسبوعين إلى 12 أسبوعاً في بركة معيَّنة فإنه سيتركها. عادةً ما يتمرَّغ وحيد القرن بالوحل في منتصف النهار لساعتين أو ثلاث ساعات (80 إلى 300 دقيقة)، قبل أن يخرج باحثاً عن الطعام. مع ذلك فإن الكركدنَّ في الأسر يُرَى أحياناً وهو يتمرَّغ لأقل من 45 دقيقة.
الغذاء
يحصل وحيد القرن السومطري على معظم غذائه في الصَّباح الباكر أو قبل غروب الشمس مباشرةً. هذه الحيوانات عاشبة في غذائها، فهي تأكل الشجيرات الصغيرة والأوراق والثمار والغصينات والبراعم. عادةً ما يأكل وحيد القرن الواحد نحو 50 كيلوغراماً من الطعام كل يوم. وقد وجد الباحثون - عبر دراسة روث الحيوان بالدرجة الأولى - أنه يتغذى على أكثر من 100 نوعٍ من النباتات. إلا أنَ أهمُّ جزءٍ من غذائه هو الشجيرات التي يتراوح قطر جذعها من سنتيمترٍ واحد إلى 6 سنتيمترات، وهو عادةً ما يبدأ بدفعها إلى الأرض مستعملاً جسمه، ثم يمشي فوقها دون الدوس عليها ليأكل أوراقها. لا توجد العديد من أنواع النباتات التي يعتمد عليها وحيد القرن السومطري في غذائه سوى في مناطق صغيرة، ممَّا يوحي بأنه كثيراً ما يغير عاداته الغذائية حسب موقعه الجغرافي. من بين أبرز النباتات التي يأكلها هذا الحيوان الفربيونية والفوية وغيرها.
اليوجينيا، أكثر النباتات التي يأكلها وحيد القرن السومطري. |
التواصل
وحيد القرن السومطري هو الأكثر اعتماداً على التواصل بالصَّوت من بين جميع أنواع وحيد القرن. تظهر مراقبة الحيوان في الأسر أنَّه يصدر الأصوات على الدوام تقريباً، كما أنه يفعل ذلك في البرية. يصدر وحيد القرن ثلاثة أنواعٍ مختلفة من الأصوات: هي الإيب، والحوت، ونفخ الصفير. الإيب هو نباحٌ قصير بطول ثانية واحدةٍ، يعد أكثر أصوات هذه الحيوانات شيوعاً. أما الحوت - الذي حازَ اسمه لتشابهه مع أصوات الحوت السنامي - فهو أكثر الأصوات شبهاً بالأغنية وثاني أكثرها شيوعاً. تختلف درجة هذا الصوت وقد يستمرُّ مدة تتراوح من أربع إلى سبع ثوان. وأما نفخ الصفير فهو الأكثر ضجيجاً من بين أصوات هذه الحيوانات، حيث يُنفَخ الهواء في تعاقبٍ سريع لإصدار الضجيج. إن علوَّ هذا الصوت كافٍ لجعل الأعمدة الحديدية في سور قفص الحيوان تهتزّ. الغاية من هذه الأصوات غير معروفة، إلا أنَّه يعتقد أنها تلعب دوراً في الإنذار من الخطر والاستعداد للتزاوج وتحديد الموقع. يمكن أن يُسمَع نفخ الصفير من على مسافاتٍ هائلة، حتى في بيئة الغابات الكثيفة التي يسكنها وحيد القرن السومطري، فمن المحتمل أنَّها تسمع من مسافةٍ تصل إلى نحو 10 كيلومترات.
التكاثر
تنضج إناث وحيد القرن السومطري جنسياً عند عمر الـ6 إلى 7 سنوات، فيما أن الذكور تنضج عند الـ10 سنوات. تدوم فترة الحمل 15 إلى 16 شهراً، ليولد عجلٌ بوزن 40 إلى 60 كلغم. يصل العجل الفطام بعد نحو 15 شهراً، إلا أنَّه يظلُّ مع أمه طوال السنتين أو الثلاث سنوات الأولى من حياته. يُقدَّر الفاصل بين كل فترة حملٍ والأخرى لهذه الحيوانات في البرية بنحو أربع إلى خمس سنوات. رغم ذلك، فإن طبيعة تربية أمهات وحيد القرن السومطري لعجولها لم تُدرَس بالدرجة الكافية.
الحماية
كان وحيد القرن السومطري فيما مضى منتشراً بكافَّة منطقة جنوب شرق آسيا، أما الآن فيُقدَّر أنه بقي منه أقلُّ من 80 رأس. يُصنَّف النوع كنوع معرَّض لخطر الانقراض للغاية، وذلك بالدرجة الأولى نتيجة صيده غير القانوني. كان يُقدَّر معدل انحدار أعداد هذه الحيوانات حتى مطلع التسعينيات بنحو 50% كل عشر سنوات. أما الآن بعد تبقّي عددٍ صغير من أفراده المبعثرين، فإنَّهم يواجهون خطر الضعف الجيني الناتج عن التوالد الداخلي. معظم أفراد وحيد القرن السومطري الحيَّة الآن تقطن مناطق جبلية صعبة المسالك في إندونيسيا.
بيغوم، إحدى أولى إناث وحيد القرن السومطري التي وضعت في الأسر، توفيت عام 1900. |
في الأسر
رغم ندرة وحيد القرن السومطري، إلا أنَّه كان يعرض في حدائق الحيوان لنحو قرنٍ ونصف من الزمن. حصلت حديقة حيوان لندن على فردين منه عام 1872، أحدهما أنثى اسمها "بيغوم" كانت قد أمسكت في شيتاغونغ عام 1868، وظلَّت حية في الحديقة حتى عام 1900، وهي أطول حياةٍ عاشها وحيد قرن سومطري في الأسر على الإطلاق. انتمت بيغوم إلى تحت نوع منقرضٍ من وحيد القرن السومطري كان يُسمَّى علمياً باسم "D. s. lasiotis". في ذلك الحين، ادَّعى فيليب سكلارتر - أمين سر جمعية علم الحيوان بلندن - أنَّ أول وحيد قرن سومطري في تاريخ حدائق الحيوان كان موجوداً في حدائق هامبورغ الحيوانية منذ عام 1868، أي قبل بيغوم حتى. رغم ذلك، لم تزدهر هذه الحيوانات كثيراً خارج موطنها الأصلي، فقد سُجِّلت حالة ولادة ناجحةٍ واحدةٌ لوحيد القرن السومطري في حديقة حيوانات كالكوتا عام 1889، إلا أنَّها كانت الوحيدة من نوعها خلال القرن الآتي، حيث لم تُسجَّل طوال القرن العشرين أي ولادة ناجحة لوحيد قرن في حديقة حيوانات. في عام 1972، ماتت "سوبور" - آخر وحيد قرن سومطري متبقٍّ في الأسر - في حديقة حيوانات كوبنهاغن.
البقايا المحنَّطة لآخر وحيد قرن سومطري عاش في حديقة حيوانات كوبنهاغن، توفي عام 1972. |
الإحتفاظ
يُعتقد أن هناك أقل من 300 وحيد قرن سومطري في يومنا هذا، بينما يتم الاحتفاظ بعدد من هذه الحيوانات في حدائق الحيوان ، فإنها نادراً ما تتكاثر في الأسر.وتشمل التهديدات الرئيسية لبقائهم في البرية الصيد الجائر والتعدي على الموائل من قبل البشر.